يوميات مصرية في شتوتجارت :3

اكتب اليكم اليوم بعد غياب بضعة اسابيع كلما يحدث فيهم حدث ذو قيمة يغلبني الكسل .. ولهذا فأنا اعتذر.. ولكن حقيقةً ، أكبر حدث في الثلاث اسابيع الماضية حدث فقط الاسبوع الماضي ، لا يمكن نختلف عليه هو : عيد الأضحى الذي قضيته لأول مرة خارج مصر .. ولم أعتقد إن وجودي خارج بلدي سيؤثر بهذا القدر في جو العيد و القرار النفسي بالإحتفال به .. دعوني أعطيكم نبذة عن ال-22 عيد السابقين بالمقارنة بالعيد هذا العام .

نبذة عن عيد الأضحى الذي عرفته لمدة 22 عام :

خلال ال-22 عام السابقة ، قضيت عيد الأضحى في مصر ، بلدي . أظن إن معظمنا يتشارك في الطقوس المتعلقة بعيد الاضحى :

أولاً : يتم شراء الخروف (أو العجل أو المعزة .. أي حاجة يعني ) قبل العيد بإسبوع مثلاً من أحد الشوادر المنتشرة في جميع شوارع المحروسة بعد ساعتين أو ثلاث من الفصال البائع

ثانياً: يتم “تخزين” الخروف في سطوح أو بدروم العمارة

ثالثاً : يتم شراء الفول المدشوش والبرسيم وغيره من أطعمة الخروف

رابعاً : إذا وجد أطفال في العائلة تتم يومياً حلقة من “هيا نتعرف على الخروف” و-“هيا نركب الخروف”

خامساً : تنتشر رائحة الخرفان وتتشعشع في المكان لتشعر أن البلد كلها خلصت من السحابة السوداء باستبدالها بسحابة الخرفان

سادساً : تنعم ليلاً أنت المواطن المصري المطحون بسينفونية رائعة من “الماء ماءة ” لمدة تزيد عن الاسبوع قبل العيد حيث يبدأ أحد الخرفان في “الماء ماء ” في مصر الجديدة ، ويرد صديقه عليه من أخر مدينة نصر .. عادي جداً .. المهم تحس إن العيد جي يعني و دي أهم حاجة 🙂

 

أما عن ليلة العيد :

في اليوم السابق للعيد، وهو يوم الوقفة الذي من المفترض أن العديد من العائلات تقضيه سوياً حيث إنه يوم صيام ويتجمع الأهل والأقارب على الافطار فيه، يجتمع كبار العائلة بعد الافطار لمناقشة أحداث اليوم الذي يليه .يتم أولاً الاتفاق على الميعاد الذي سيتقابل فيه الجميع لصلاة العيد ، حيث أن العديد من العائلات تصلي العيد ثم تذبح خرفانها معاً.. ثم يتفق الجميع على طريقة إختيار أهم شخص في هذا اليوم الرهيب الذي يوشك أن يهل علينا ببركته : الجزار .  على فكرة الرجل دة أهم من أي حاجة تانية في العيد ، أهم منك و مني و- أهم من الخروف نفسه . أما عن أطفال العائلة فيشغلهم لبس العيد الجديد (البنات )والبمب والصواريخ الصفراء والله وأعلم إيه تاني من المفرقعات الجديدة المستوردة من الصين التي ستتواجد في الاكشاك (الأولاد ) ، و-.. العيدية ( ودي بقي يهتم بها الجميع ..أولاد، بنات ، و حتى أنا وبنت عمي واحنا الجوز متخرجين أصلاً .. بس ميمنعش 🙂 )

يوم العيد :

بعد الفجر بنصف ساعة ، تنزل مصر إلى الشارع .. يشد الجميع الرحال إلى أقرب جمع ، تفترش العائلات المسجد و الشوارع المحيطة به في منظر مهيب ورائع (في معظم الأحيان .. ) . تشعر بجو من البهجة الغير معروفة المصدر .. فمن الممكن جداً أن يكون هذا الرجل أو تلك السيدة يمرون بأصعب أوقات حياتهم ، ولكن في تلك اللحظات القليلة في هذا اليوم تعم البهجة والطمأنينة لتجبر بخاطر الجميع .. تعلو تكبيرات العيد لتملأ العالم وتنتشر إلى الفضاء ليسمع صداها و يرج ارجاء العالم ..

الله اكبرُ كبيرا، والحمدُ للهِ كثيرا

وسبحانَ اللهِ بُكرَةً وأصيلا

لا إله إلا اللهُ وحْده

صَدَقَ وعْده ونصَر عبْده

وأعَزَّ جُنْدَهُ وهَزمَ الأحزابَ وحده

(إلى أخر التكبيرت )

يصلي الجميع ، نسمع الخطبة ثم فجأه تجد طفل يمد يده إليك بكيس مملوء بأحد أنواع البونبون أو الشوكولاتة وهو يبتسم وينظر إلى أمه أو أخته الأكبر محرجاً ، فيشجعانه و يقولون “كل سنة و انتم طيبين .. اتفضلوا ” … ويمر الطفل وغيره الكثيرين بأكياس الحلويات على المصلين .. طبعاً لو حظك وحش زيي كدة من الطبيعي يطلعلك شوكولاتة كورونا أو كوفرتينة .. نصيحة من مجرب ، لا تأكلها .. اتركها للذكرى الخالدة 🙂 أما اذا كان الجامع الذي تذهب إليه في منطقة شيك أو بجانب سيتي ستارز في إحتمال يطلعلك إكليرز أو بونبون بنسون ودة أفضل كثيراً .. لا والله بهزر ، جمال الفكرة في حد ذاتها وروح السعادة والبهجة التي تنشرها أهم كثيراً من نوع الحلويات 🙂 والعيد إلي بطلع من الجامع فيه بدون “جائزة” (آه .. بحس انها جايزة ! ) أتضايق كثيراً و افقد روح العيد .

بعد فقرة الصلاة وإنت راجع في السكة ماشي تسمع كل كام خطوة “بسم الله الله أكبر” و … يعني انتم عارفين .. وتمتليء شوارع مصر الجديدة الضيقة بدماء الاضحية .. وبالشحاتين حاملي الأكياس السوداء ..

أصوات البمب وصراخ الأطفال يلعبون … رائحة طبيخ الضاني .. الرحلة السنوية لتوزيع أكياس اللحمة على الأقل حظاً .. إزدحام الجناين اللي في وسط الشوارع بأطفال بلبس العيد  و كرة قدم وأهاليهم بالحلل وراديو ترانزيستور تحكي فيه المذيعة على نجوم إف إم عن مظاهر العيد .. بلالين .. أكياس سوداء تغطي أرض الشوارع .. فيلم سهرة القناة الأولى أول يوم العيد ..

على فكرة أنا بدأت كتابة هذه التدوينة لأحكي لكم عن عيدي في ألمانيا وليس لوصف العيد في مصر ! ولكني مرة واحدة تذكرت كيف كان يجب أن يكون العيد بمظهره الذي طالما عرفته و-.. أحببته .. حتى وإن كنت ادعي العكس ..

عيد الأضحى هذا العام – في بلاد الفرنجة :

المهم .. دعوني أحكي لكم عن عيدي هذا العام .. أولاً ، بما إن العيد جاء هذا العام في وسط الاسبوع، لم تكن هناك اجازة 😦 .. يعني أول يوم العيد كان يوم ثلاثاء ، كان عندي جامعة من التاسعة ونصف. لم اذهب إلى صلاه العيد حيث انها بدأت في الثامنة في مكان يبعد أكثر من نصف ساعة عن الجامعة فلم استطيع الذهاب قبل المحاضرة .. ولكن غادة و يمنى و رنا ذهبوا . يمكن عدم ذهبي لصلاة العيد من أكبر الأسباب التي أدت إلى عدم الشعور به .

ذهب اصدقائي إلى الصلاة التي لم تكن في المسجد الموجود في شتوتجارت لأنه لا يتسع ليضم كل هذا العدد ، وانما في مبنى يتم تأجيره كل عام من أجل هذه المناسبة .. حيث أن شتوتجارت بلد كبيرة ويأتي إليها العرب المسلمون من الأماكن المحيطة للصلاة في هذا اليوم . أول ما تنزل من المحطة ، تحملك الأفواج إلى مكان الصلاة ، كما سمعت منهم الشارع مافيهوش خرم إبرة …فرد كل واحد السجادة الخاصة به و بدأت الصلاه في الثامنة و نصف .. غادة و يمنى قابلوا طنط نجوى و ايناس ، فردين من أفراد العائلة المصرية التي تعرفنا عليها من شهر بالصدفة في الشارع .. اه و الله الحاجات دي بتحصل هنا 🙂 كنا ماشيين في الشارع وطبعاً بما اني ليس عندي أي حس جغرافي فاتيت و قلت لهم أن المكان الذي نريد أن نصل إليه في الاتجاه المعاكس لما نريد، فوقفنا تائهين على أحد أرصفة شتوتجارت ننظر إلى العلامات حولنا لمحاولة معرفة أين نحن ، ففجاءنا صوت من خلفنا يقول ” سلام عليكم ، انتم عاوزين تروحوا فيين ؟ ” ! .. وفي هذا اليوم تعرفنا على طنط نجوى، أونكل محمد، و ابناؤهم الأربعة . يعيش الأب في شتوتجارت منذ 30 عاماً .. و تزوج منذ 20 عاماً .. المهم .. خلينا نرجع للعيد وحابقي أحكي لكم عن عائلة شتوتجارت المصرية في وقت لاحق !

مر اليوم علي ثقيلاً ، مفيش ريحة خرفان ،، ولا حتى أمعاء خرفان في الشارع .. و لا بونبون ولا عائلات تفترش الطرق ،و لا تكبيرات ولا بمب .. خاصةً عندما حدثني جميع أفراد عائلتي في التليفون عندما كنت في طريق عودتي من الجامعة و كانوا جميعاً مجتمعين في منزل جدتي على الغذاء … شعرت بفرحتهم .. كم شعرت انهم وحشوني .. كلمت و كلمني جميع اصدقائي زملاء الغربة للتهنئة بالعيد .. و لكن .. مازالت فرحة العيد ينقصها شيء في هذا الجو القارس وفي هذا البلد البارد ، جواً و دماً ..

رجعت البيت، لقيت حالة الاكتئاب تعم الجميع.. ولكن كلمتني غادة وقالت لي “يلا نعمل العيد بتاعنا ..! “ وقد كان .. إشترت غادة بعض الزينة والبلالين، والشكولاتة (أفضل طريقة للتخلص من الاكتئاب وإكتساب الوزن الزائد 🙂 ) ،طبخنا أكل عادي، بعض اللحم، بسلة ، رز، سلطة ، بطاطس، وكفاية على كدة .. جلسنا نحن زملاء الكفاح الجدد في شتوتجارت ، وأكلنا سوياً في محاولة بسيطة جيداً للشعور بالعيد .. وليس بالفتة ، ولكن بالروح التي جمدها برود أوروبا ..

أنا حاسة اني طولت عليكم بس أنا لسة لم أحكي لكم عن يوم الفتة والكفتة والديك الرومي وورق العنب ! وهذا كان يوم الأحد الذي يلي العيد (سادس يوم العيد يعني .. هنعمل إيه بقى قضاء و قدر إن العيد جاي في وسط الاسبوع !) وكان هذا في إجتماع “النادي المصري الألماني في شتوتجارت” .. ولأن هذا يوم يجب أن أحكي عليه في يومية منفصلة بكل ما يحمله من مظاهر حياة المصريين في الخارج (التي أرى العديد منها من المآسي .. حقاً .. ) سأترككم الأن .. إلى أن نلتقي قريباً جداً !

سلام !

 

Fel matbakh

One thought on “يوميات مصرية في شتوتجارت :3

Leave a comment